سعادة الدكتور..........ولست أحدثك بهذه الصفة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ثم إني لا أعرفك بغير تلك الصفة فلا حق لي بالتحدث اليك بصفة أخرى وانت الشيخ الجليل وأنا الحدث البسيط .لكنه حدث لم يبخس عالماً قدره ولا شيخاً منزلته كما انه لا يتردد بالجهر في الحق أمام أي أذن كانت تسمع او عيناً ترى وأنت قد علمت ذلك . وحدثٌ رأى الكثير في جولته القصيرة في معرض الحياة فبات يرى الناس في هذا الميدان الفسيح كالأشباح تذهب وتجيء فأصبحت تتردد في فضاءه دائما حكمته هذه :ـ
إن الرجال شخوص تلوح مثل الطيوف=تمر مر الاماني لدى الشقي السعيد
وانطلاقاً من هذه العقيدة عن الرجال في فضاء التصور وميدان الواقع فقد عزم على أن يبثك النجوى ويحدثك بحديث "ابتسامة المسجد " ويحاول أن يجيب بجواب مقنع ـ من خلال ما تدركه مداركه ـ عن السبب في كون ابتسامة الشخص في وجه الشخص الآخر صدقه .
إذن فقد كان منك ما كان في ردهتك تلك من تعداد للمنن والزجر في القول والتوبيخ لنا على ما عملناه وكنا نتحرى فيه الصلاح والرشاد.
وكان منا أن صددناك عن الجهد بالسوء من القول ، مالم تطقه كبرتك فخرج الحدث من ردهة الشيخ والشيخ في معرض كلام لا يطاق . خرج الحدث وقد حاول جهده كبت مشاعره والحفاظ على احترام شيبة شابت في الإسلام لا مركز ولا سلطه.
فخرج بصورة قاتمة عن رجل ذا سلطة غضوب.
وارتكزت تلك الصورة كالشاهد في الخيال عن ذلك الطيف السارب حتى كانت "ابتسامة المسجد" في بيت من بيوت الله حيث تخلت النفوس هناك عن جواذب الحياة فما جاءت من الصيام الا للصلاة ،شفت النفوس فرفرفت وحلقت من طاعة لطاعة تتقرب من الله زلفى .
فحانت التفاته من الحدث إلى الشيخ فكانت الابتسامة .وهناك في تلك اللحظة عرفت أن الشيخ قد تخلص من أوهام الحياة وجواذب الدنيا فبات في سبحات الحب ونشواته يسعى في فضاء الله عائداً إليه منيباً فما كنتُ بين يديه إلا صورة من صور الدنيا التي تحرر منها وما كان غضبه عليٌ إلا من تلك الأوهاق والجواذب التي ترسب بالنفس وتمنع سموها وتحرمها من السبحات في ملكوت الله والاتصال الروحي المباشر بالله رب الأرض والسماء ورب الكون والحياة .
والنفس إن تخلصت من الجواذب والأوهاق واتصلت ذلك الاتصال الروحي المباشر بالله ـ عز وجل ـ كانت نفساً زكية رضية قد أصبح الله ملء فضائها وذكره هو كون كيانها فبات ـ عز وجل ـ سمعها الذي تسمع به وبصرها الذي تبصر به .
فالله هو هاجسها الدائم .ففي فضاء الخيال الفسيح في تلك اللحظة لاشيء الا الله ، فكانت الابتسامة .
وكانت تشي عن النعيم في الحياة مع الله ـ في الاتصال بالله ـ وتنم عن ما وصلت إليه تلك النفس التي شفت ورفرفت لتعلو في الأفاق إلى الله وأنها تنظر إلى الدنيا وصورها الكثيرة من مكان عالي بتواضع العظيم السامي وسماحة الزاكي النبيل .
نظرة لا تلقيها النفس على الدنيا إلا إذا وصلت بتوفيق من الله وهبة منه إلى ذلك المرتقى المحمود من الشفافية والحب والبساطة .
وهنالك كانت الابتسامة صادقة لأنها تدعو إلى السعادة بالاتصال الروحي بالله ، وبدءً بالسماحة وبذل للحب ليكون الصفاء وحرب الظلام وإشاعة النور في هذا الوجود.
وفي ظني انه هذا هو الأثر البعيد الذي تتركه الابتسامة في كل نفس حيه الشعور.
إلا أن هذه النفس الباثه ذهبت إلى أبعد من ذلك .
فتصورت نفس الحدث فيما لو كانت هذه الابتسامة ابتسامة التعارف في الجنة ـ دار النعيم الأكبر وقد انتهى الحساب وحل العقاب والثواب ورأت نفس الحدث نفس الشيخ واقعاً ماثلاً في الجنة بعد أن كانت خيالا ًسارباً في الدنيا فكانت البسمة من الشيخ كالتهنئة بالنجاح .
ففي النفس فرح اوجب التهنئة وسعادة حققت الابتسامة فتبادلنا التهاني وتشاركنا الفرح وما نعرف بعضنا ولكن الفرحة بالنجاة عظيمة.
فلله در ابتسامة المؤمن في وجه المسلم تفتح للتصور امآداً رحاباً وآفاقاً سامية وهي تهزء بالظنون العاثرة والنظرات القاصرة حين تثبت إنفساح المجال بين الأرض والسماء وإنفساح الزمان بين الدنيا والاخرة ،فتعبر عن الحياة بصورتها الكاملة.عن الحياة جملة لا أجزاء وتفاريق.
عن الوحدة في الحياة والوحدة في الكون والوحدة التي تجمع الإنسان والكون والحياة.
وتعبر عن التحرر والانطلاق بالتعبير عن الحياة بالمجال المديد والزمن المنفسح .
وعن السلام بتعبيرها عن الوحدة بين الكون والإنسان والحياة، ورب الكون والإنسان والحياة. السلام مع الذات ومع الكون الفسيح والسلام مع الناس والحياة .