كنت فيما مضى أستغربُ كثيراً من تماسُك جاري وصبره الطويل على صراخ زوجته ومسلسلها المكسيكي الطويل، وهي تكيل له الشتائم، وتندب حظها العاثر معه بتعنيفها المستمر له، حينما كان صوتها يشق هدأة الليل وسماء تلك العمارة ذات الشقق التسع؛ حيث نسكن نحن ومجموعة من الجيران في تلك الفترة عبر مدينة لا يخالط أنفاسها العذبة أو يداعب أطرافها الغضة سوى البحر..!! كانت الأصوات أكبر من محاولة صم الآذان وسد مسامع الجيران جميعاً غير الجار؛ كان أكثر هدوءًا ورباطة جاش متحلياً بالصبر الجميل؛ ما يجعل حياته تسير بشكل تقليدي كالمعتاد منذ أن عرفناه بعد سكنه معنا؛ فقد كنا نلحظ عليه هذا الأمر بوضوح، وذلك عندما كنا نتقابل أوقات الذهاب للصلاة والعودة من المسجد، وهي الأوقات التي يلتقي فيها الجيران في هذا الزمن..!! في حين كنتُ أتحيّن الفرصة لمفاتحته بما نسمع من أصوات مصدرها تلك الزوجة الغاضبة من جارنا الوقور و"هواش" شبه متواصل، يصدر عبر منافذ شقته بطريقة أقرب ما تكون للدراما الخليجية، وتحديداً حين يسدل الليل آخر أستاره إيذاناً ببدء المشاكل، ورفع الصوت بينهما..!! فقلت لهذا الجار في آخر مرة التقيت به: كيف استطعت التأقلم على هذه الحياة المليئة بالصخب والمشاكل الزوجية؟ ولماذا لا تحاول أصلاً سد فجوة الخلاف العالق بينكما، أو تستخدم آخر محاولات العلاج بالكي، ويغني الله كلاً من سعته؟ فكان رده هادئاً ومفاجئاً لي بأن زوجته إنسانة عظيمة ورائعة جداً لولا بعض الغضب؛ فهي - حسب تأكيده -تستيقظ مع الفَجْر لتساعده على اللحاق بالصلاة مع الجماعة، وتُعِدّ له لاحقاً في الصباح الفطور، وتراعي الله في بيته، غير مسرفة، ومطيعة بنسبة كبيرة، حتى وإن حصل منها ما يعكّر الصفو العائلي والوئام الأسري. مؤكداً أن ما حصل منها ليس معناه أنها قاسية أو عنيدة كل الوقت، وأرجع السبب لتدخل الشيطان أحياناً كثيرة. مشدداً على أنه لن يسمح للشيطان أن يفرِّق بينهما..!! تركته وقد وصلتُ لقناعة بأن العديد من الزوجات يكنَّ على موعد مع الشيطان ليلاً دون إن يشعرن أنه يحاول جاهداً التفريق بين المرء وزوجه، وأدركت أيضاً أن الحياة الزوجية خصوصاً، والحياة في إطارها العام، تتطلب الكثير من الحكمة وعدم التسرع في اتخاذ القرار؛ فالشيطان لا يحضر بهدف الخير، وإنما لزيادة الشحناء والبغضاء بين الناس وتأجيج حدة النزاع بينهم، تماماً كما يفعل بين الأخ وأخيه والجار وجاره والصديق وصديقه.. والقائمة تطول!!
زوجات على موعـد مع الشــيطان 
العرض الشجري
