مجالس الفرده

مجالس الفرده (http://www.alfredah.net/forum/)
-   المجلس الإسلامي (http://www.alfredah.net/forum/alfredah8/)
-   -   أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ .. (http://www.alfredah.net/forum/threads/alfredah38907/)

ذعذاع الشمال 29-11-12 10:29 PM

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ ..
 
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

8 فاطر
*أضغط هنا لعرض كامل السورة


تفسير بن كثير

لما ذكر تعالى أن أتباع إبليس مصيرهم إلى السعير، ذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لهم عذاب شديد لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن، وأن الذين آمنوا باللّه ورسله { وعملوا الصالحات لهم مغفرة} أي لما كان منهم من ذنب { وأجر كبير} على ما عملوه من خير، ثم قال تعالى: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً} يعني كالكفار والفجار، يعملون أعمالاً سيئة وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أي فمن كان هكذا قد أضله اللّه، ألك فيه حيلة؟ { فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء} أي بقدره كان ذلك، { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} أي لا تأسف على ذلك، فإن اللّه حكيم في قدره، ولهذا قال تعالى: { إن اللّه عليم بما يصنعون} (في اللباب: أخرج جويبر: نزلت { أفمن زين} حين قال النبي صلى اللّه عليه وسلم اللهم أعز دينك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل فهدى اللّه عمر وأضل أبا جهل ، روى ابن أبي حاتم عند هذه الآية عن عبد اللّه بن الديلمي قال: أتيت عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما وهو في حائط بالطائف يقال له الوهط، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن اللّه تعالى خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من نوره يومئذ فقد اهتدى، ومن أخطأه منه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على ما علم اللّه عزَّ وجلَّ).

تفسير الجلالين

ونزل في أبي جهل وغيره { أفمن زينَ له سوء عمله } بالتمويه { فرآه حسنا } من مبتدأ خبره كمن هداه الله؟ لا، دل عليه { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم } على المزيَّن لهم { حسرات } باغتمامك ألا يؤمنوا { إن الله عليم بما يصنعون } فيجازيهم عليه .

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَان أَعْمَاله السَّيِّئَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , وَعِبَادَة مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَرَآهُ حَسَنًا , فَحَسِبَ سَيِّئَ ذَلِكَ حَسَنًا , وَظَنَّ أَنَّ قُبْحه جَمِيل , لِتَزْيِينِ الشَّيْطَان ذَلِكَ لَهُ , ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات ; وَحُذِفَ مِنَ الْكَلَام : ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات , اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } مِنْهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَان أَعْمَاله السَّيِّئَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , وَعِبَادَة مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَرَآهُ حَسَنًا , فَحَسِبَ سَيِّئَ ذَلِكَ حَسَنًا , وَظَنَّ أَنَّ قُبْحه جَمِيل , لِتَزْيِينِ الشَّيْطَان ذَلِكَ لَهُ , ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات ; وَحُذِفَ مِنَ الْكَلَام : ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات , اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } مِنْهُ .' وَقَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : فَإِنَّ اللَّهَ يَخْذُل مَنْ يَشَاء عَنْ الْإِيمَان بِهِ وَاتِّبَاعك وَتَصْدِيقك , فَيُضِلّهُ عَنْ الرَّشَاد إِلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ , { وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيُوَفِّق مَنْ يَشَاء لِلْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعك , وَالْقَبُول مِنْك , فَتَهْدِيه إِلَى سَبِيل الرَّشَاد { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } يَقُول : فَلَا تُهْلِك نَفْسَك حُزْنًا عَلَى ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَتَكْذِيبهمْ لَك. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : الشَّيْطَان زَيَّنَ لَهُمْ { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } : أَيْ لَا يَحْزُنك ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء 22118 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } قَالَ : الْحَسَرَات : الْحَزَن , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } 39 56 , وَوَقَعَ قَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } مَوْضِع الْجَوَاب , وَإِنَّمَا هُوَ مَنْبَع الْجَوَاب ; لِأَنَّ الْجَوَابَ هُوَ الْمَتْرُوك الَّذِي ذَكَرْت , فَاكْتَفَى بِهِ مِنَ الْجَوَاب لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَوَاب وَمَعْنَى الْكَلَام . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر الْمَدَنِيّ { فَلَا تَذْهَب نَفْسُك } بِفَتْحِ التَّاء مِنْ { تَذْهَب } , وَنَفْسُك بِرَفْعِهَا , وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : " فَلَا تُذْهِب " بِضَمِّ التَّاء مِنْ { تُذْهِب } , وَنَفْسَك بِنَصْبِهَا , بِمَعْنَى : لَا تُذْهِب أَنْتَ يَا مُحَمَّد نَفْسَك . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ.وَقَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : فَإِنَّ اللَّهَ يَخْذُل مَنْ يَشَاء عَنْ الْإِيمَان بِهِ وَاتِّبَاعك وَتَصْدِيقك , فَيُضِلّهُ عَنْ الرَّشَاد إِلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ , { وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيُوَفِّق مَنْ يَشَاء لِلْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعك , وَالْقَبُول مِنْك , فَتَهْدِيه إِلَى سَبِيل الرَّشَاد { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } يَقُول : فَلَا تُهْلِك نَفْسَك حُزْنًا عَلَى ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَتَكْذِيبهمْ لَك. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : الشَّيْطَان زَيَّنَ لَهُمْ { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } : أَيْ لَا يَحْزُنك ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء 22118 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } قَالَ : الْحَسَرَات : الْحَزَن , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } 39 56 , وَوَقَعَ قَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } مَوْضِع الْجَوَاب , وَإِنَّمَا هُوَ مَنْبَع الْجَوَاب ; لِأَنَّ الْجَوَابَ هُوَ الْمَتْرُوك الَّذِي ذَكَرْت , فَاكْتَفَى بِهِ مِنَ الْجَوَاب لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَوَاب وَمَعْنَى الْكَلَام . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر الْمَدَنِيّ { فَلَا تَذْهَب نَفْسُك } بِفَتْحِ التَّاء مِنْ { تَذْهَب } , وَنَفْسُك بِرَفْعِهَا , وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : " فَلَا تُذْهِب " بِضَمِّ التَّاء مِنْ { تُذْهِب } , وَنَفْسَك بِنَصْبِهَا , بِمَعْنَى : لَا تُذْهِب أَنْتَ يَا مُحَمَّد نَفْسَك . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ.' وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِمَا يَصْنَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّد ذُو عِلْم بِمَا يَصْنَع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان سُوء أَعْمَالهمْ , وَهُوَ مُحْصِيه عَلَيْهِمْ , وَمُجَازِيهمْ بِهِ جَزَاءَهُمْ .وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِمَا يَصْنَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّد ذُو عِلْم بِمَا يَصْنَع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان سُوء أَعْمَالهمْ , وَهُوَ مُحْصِيه عَلَيْهِمْ , وَمُجَازِيهمْ بِهِ جَزَاءَهُمْ .'

تفسير القرطبي

قوله تعالى: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} "من" في موضع رفع بالابتداء، وخبره محذوف. قال الكسائي : والذي يدل عليه قوله تعالى: { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} فالمعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات. قال : وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل. وذكره الزمخشري عن الزجاج. قال النحاس : والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الآية، لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم، كما قال جل وعز: { فلعلك باخع نفسك} الكهف : 6] قال أهل التفسير : قاتل. قال نصر ابن علي : سألت الأصمعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن : (هم أرق قلوبا وأبخع طاعة) ما معنى أبخع؟ فقال : أنصح. فقلت له : إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول الله عز وجل: { لعلك باخع نفسك} : معناه قاتل نفسك. فقال : هو من ذاك بعينه، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه. وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير، مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وقيل : الجواب محذوف؛ المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي، ويكون يدل على هذا المحذوف { فإن الله يضل من، يشاء ويهدي من يشاء} . وقرأ يزيد بن القعقاع: "فلا تذهب نفسك" وفي { أفمن زين له سوء عمله} أربعة أقوال، أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس؛ قال أبو قلابة. ويكون، { سوء عمله} معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام. الثاني : أنهم الخوارج؛ رواه عمر بن القاسم. يكون "سوء عمله" تحريف التأويل. الثالث : الشيطان؛ قال الحسن. ويكون "سوء عمله" الإغواء. الرابع : كفار قريش؛ قاله الكلبي. ويكون "سوء عمله" الشرك. وقال : إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب. وقال غيره : نزلت في أبي جهل بن هشام. { فرآه حسنا} أي صوابا؛ قال الكلبي. وقال : جميلا. قلت : والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال؛ لقوله تعالى: { ليس عليك هداهم} البقرة : 272]، وقوله: { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} آل عمران : 176]، وقال: { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} الكهف : 6]، وقوله: { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} ، وقوله في هذه الآية: { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} وهذا ظاهر بين، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم، فإن الله أضلهم. وهذه الآية ترد على القدرية قولهم على ما تقدم؛ أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه، وإنما ذلك إلى الله لا إليك، والذي إليك هو التبليغ. وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن: "فلا تُذهِب" بضم التاء وكسر الهاء "نفسك" نصبا على المفعول، والمعنيان متقاربان. "حسرات" منصوب مفعول من أجله؛ أي فلا تذهب نفسك للحسرات. و"عليهم" صلة "تذهب"، كما تقول : هلك عليه حبا ومات عليه حزنا. وهو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر؛ كما قال جرير : مَشَقَ الهواجر لحمَهن مع السُّرى ** حتى ذهبن كلاكلا وصدورا يريد : رجعن كلاكلا وصدورا؛ أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها. ومنه قول الآخر : فعلى إثرهم تساقط نفسي ** حسرات وذكرهم لي سقام أو مصدرا. { إن الله عليم بما تصنعون} .

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

الأسلوب في { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِه } [فاطر: 8] أسلوب استفهام، لكن لم يذكر المقابل له، وتقديره هل يستوي، ومَنْ لم يُزين له سوء عمله؟

والحق سبحانه لم يذكر جواباً لأنه معلوم، ولا يملك أحد إلا أن يقول لا يستويان، لأن الناس منهم مَنْ يعمل السيئة، ويعلم أنها سيئة، ويكتفي بها لا يتعداها، ومنهم مَنْ يتعدَّى فيفعل السيئة ويدَّعي أنها حسنة، وهذا مصيبته أعظم لأنه ارتكب جريمة حين فعل السيئة، وارتكب جريمة أخرى حين ادعى أنها حسنة، هذا معنى: { فَرَآهُ حَسَناً } [فاطر: 8]، وهذا اختلال في الرؤية وضلال.

لذلك يقول تعالى بعدها: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [فاطر: 8] وهذه الآية وقف عندها كثيرون، يقولون: إنْ كان الله هو الذي يهدي، وهو الذي يُضل. فلماذا يُحاسب الإنسان؟ ولا بُدَّ لتوضيح هذه المسألة أن نُبين معنى يهدي ويُضل. يهدي يعنى: يدلُّه على طريق الخير ويرشده إليه، وهذا الإرشاد من الله لكل الناس، فمَنْ سمع هذا الإرشاد وسار على هُدَاه وصل إلى طريق الخير، فكان له من الله العون وزيادة الهدى، كما قال سبحانه:
{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }
[محمد: 17].


أما الذي أغلق سمعه فلم يسمع ولم يَهْتَدِ فَضَلَّ الطريق وانحرف عن الجادة، فأعانه الله أيضاً على غايته، وزاده ضلالاً، وختم على قلبه ليكون له ما يريد، فلا يدخل قلبه إيمانٌ، ولا يخرج منه كفر، وهؤلاء قال الله فيهم:
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
[البقرة: 10].


لذلك يقول تعالى عن قوم ثمود:
{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ }
[فصلت: 17].


فمعنى { هَدَيْنَاهُمْ } يعني: دللناهم وأرشدناهم لطريق الخير، ولكنهم رفضوا هذه الدلالة وعارضوا الله فضَلُّوا فأضلهم الله. يعني: زادهم ضلالاً.

وسبق أنْ أوضحنا هذه القضية وقلنا: هَبْ أنك تريد أنْ تذهب إلى مكان ما، ووقفتَ عند مفترق الطرق لا تدري أيهما يُوصِّلك إلى غايتك، فذهبتَ إلى رجل المرور تسأله أين الطريق، فدلَّك عليه فشكرته وعرفتَ له جميله، فلما رآك مُطيعاً له، شاكراً لفضله قال الله: لكن أمامك في هذا الطريق عقبة سأسير معك حتى تتجاوزها، هكذا يعامل الحق سبحانه المهتدين:
{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }
[محمد: 17].


وقد خاطب الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:
{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ }
[القصص: 56] وخاطبه بقوله:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
[الشورى: 52] فأثبت له صلى الله عليه وسلم الهداية بمعنى الإرشاد والدلالة، لكن نفى في حقِّه الهداية بمعنى المعونة على الهدى، فالذي يُعين هو الله.


ثم إن الحق سبحانه لم يترك هذه المسألة هكذا، إنما بيَّن مَنْ يهديه ومَنْ يُضِلُّه، فقال سبحانه:
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }
[المائدة: 67] وقال:
{ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }
[الصف: 5] وأيُّ هداية للإنسان بعد أنْ كفر بالله، وفَسَق عن منهجه، وأفسد في البلاد، وظلم العباد؟


وقوله تعالى: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] يعني: لا تُهلك نفسك حسرة على عدم إيمانهم، وهذا المعنى شرحه الحق سبحانه في قوله:
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً }
[الكهف: 6].


فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هداية قومه، يألم أشدَّ الألم حين يشرد أحد منهم عن طريق الإيمان؛ لذلك قال تعالى عن نبيه محمد:
{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
[التوبة: 128].


ثم يقول سبحانه مُسلِّياً رسوله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر: 8] يعني: لا تَخْفى عليه خافية من أفعالهم، وسوف يجازيهم ما يستحقون من عقاب على قَدْر ما بدر منهم من إعراض، فاطمئن ولا تحزن.

بعد ذلك ينقلنا الحق سبحانه إلى بعض الآيات الكونية الخاصة بنعمه سبحانه على الخَلْق، فيقول تعالى:

{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ... }.



الطرف الخجول 30-11-12 10:46 PM

رد: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ ..
 
جزـااااكـ الله خيراً وبااااركـ فيك ونفع بكـ
واثااابكـ جنة الفردوس بغير حساااب ولا سابقة عذاب
وجعله ربى فى ميزااان حسناااتك

دمت فى حفظ الرحمن

ذعذاع الشمال 03-12-12 07:36 AM

رد: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ ..
 
ياهــــــلا بــــــكـــ ..
جزاك الله خير الجزاء ..


الساعة الآن 10:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

لتصفح الموقع بشكل جيد الرجاء استخدام الإصدارات الاخيرة من متصفحات IE, FireFox, Chrome

Security team

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52