مجالس الفرده

مجالس الفرده (http://www.alfredah.net/forum/)
-   المجلس الإسلامي (http://www.alfredah.net/forum/alfredah8/)
-   -   ساعات مع الشيطان (http://www.alfredah.net/forum/threads/alfredah22260/)

راكان 15-07-10 05:03 PM

ساعات مع الشيطان
 
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تفاصيل يوم قضاه مع الشيطان :

جعلت أرصد الشيطان فإذا هو مرابط لي عند كل طريق يؤدي إلى الجنة, يأتيني كما أخبر الله عن يميني وعن شمالي ومن أمامي ومن خلفي، ولكنه لا يستطيع أن يأتيني من فوقي, ولا يستطيع أن يسد عليّ طريق الاستنجاد بربي, ورأيت الإيمان كالحصن الذي يحصني منه, ولكن له في جدار هذا الحصن مداخل وثغرات احتفرها ليدخل منها, منها المداخل الكبار ومنها المداخل الخفية، وعلى المؤمن أن يبقى ساهراً أبداً يحرس حصنه, وأن يسد هذه المداخل سداً محكماً ليأمن عدم دخوله منها, وربما اغتنم الخبيث انشغال الإنسان بمراقبة مدخل منها فدخل عليه من غيره, كما صنع بي لما رأى أني لم أصدقه أن صلاتي باطلة, فعاد يدخل على من باب العُجب فيريني أنها الصلاة المقبولة الكاملة, وعلى مقدار سهر العبد في سد مداخل الشيطان وحراسة مالا يمكن سده منها يكون خلاصه من وسواسه في الدنيا, وينال نعيم الله في الآخرة.

والله لم يترك الإنسان في هذه الحراسة أعزل بل وضع في يده سلاحا ماضياً قاطعاً ( رشاشاً ) يستطيع أن يرد به أعتى الشياطين, هو ذكر الله حتى يخنس الشيطان ويبلس وينكمش وينقطع وسواسه, وليس المراد الذكر باللسان فقط, بل الذكر بالقلب, وهو الأصل فيه, والمسافر الذي يذكر وطنه و أهله, لا يقول بلسانه ولكنه يستحضر الوطن والأهل بقلبه, وذكرك الله هو ألا تنساه, وأن يكون دائماً في قلبك, وأن تتصور أنه مطلع دائماً عليك, وأنه معك, فإن صحب ذلك الذكر المأثور باللسان فهو أحسن وأكمل.

* * * *

وكان لي مع الشيطان ذلك اليوم مواقف تستعصي على العد, أذكر منها هذا على سبيل المثال على وسواسه....
حاول أن يسخطني على الله, ويكفرني بنعمه علي, حينما مر بي في الطريق رجل كان معنا في المدرسة, فخاب وقصر, وكان مضرب المثل في السوء, فطرد من المدرسة, فما هي إلا أن جال هـهنا وهـهنا حتى صار له الجاه العريض, والمال الكثير, فجاء الشيطان يقول لي أما ترى هذا, أتكون أنت في علمك وفضلك دونه مالا وجاهاً, ما هو ذنبك حتى تقصر بك الأقدار عنه؟ فقلت أخرس يا عدو الله, تريد أن أكفر نعمة الله عليّ, وهل في الدنيا أحد نال الخير كله حتى ما يزيد عليه فيه أحد؟ فلماذا انظر إلى هذا ولا أنظر إلى أناس هم مثلي ( إن لم يفضلوني ) علماً وخلقاً, وهم دوني في الجاه والمال؟ ولماذا تريدني أن أنظر إلى من هم فوقي في الدنيا لأحسدهم, ولا أنظر إلى من هم فوقي في الدين؟ لماذا أزاحم على زيادة درجات في دار البقاء؟ لماذا أحسد هذا إن صار ماله أكثر من مالي, ولا أحسد ذاك على أنه صلى أكثر من صلاتي, ونال أكثر من ثوابي, وكان له في بنك الحسنات رصيد أكبر من (رصيدي)؟ ولِمَ أحسده على ماله ولا يحسدني هو على علمي؟ أليس العلم والخلق والذكاء نعماً كنعمة المال والجاه؟ وبعد فماذا ينقصني؟ إنه لا ينقصني والحمد لله شيء احتاج إليه: صحتي جيدة وموردي يقوم بحاجتي ويفضل منه عنها, وأنا في سلام في بيتي, وفي راحة في عملي, وأنا راضٍ عن ربي, وليس لي مطلب إلا أن يبعدك الله عني!

* * * *

وحاول أن يثير ما أخمدته السنون من شهوتي, حين واجهت في الترم فتاة إفرنجية كأنها فلقة بدر, وقد كشفت عن النحر والصدر, والقدم والساق, وقد ألممت بهذا كله منها بالنظرة الخاطفة, وذكرت حديث النظرتين وأن ( لك الأولى وعليك الثانية) فغضضت عنها وملت ببصري إلى الطريق, وبفكري إلى مسائل أخر, فرجع الشيطان بفكري إليها, وجعل يعيد عليّ تصور مفاتنها, ويمثلها لي على صور لا أستطيع أن أعرض لها بالوصف, وإن كان كل قارئ يدرك مثلها بالتصور, فسرقت عيني نظرة أخرى إليها, منى غير عزم مني عليها, فاستعذت بالله وقرأت الآية: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19/غافر) متعجباً من دلائل الإعجاز فيها, وأنها ألمت بأربع كلمات فقط, بحالات النفوس البشرية ودخائلها,( خائنة الأعين)؟! لقد خانتني عيني حقيقة, فما أعظم أسلوب القرآن!
ولما رأيت أن المعركة مع الشيطان قد طالت وخِفت أن لا أثبت في الميدان فررت بديني, ونزلت فوقفت أنتظر ( تراماً) أخر, هذا وإن أبن الخمسين فكيف بابن العشرين والثلاثين؟!
وجاء الترام الآخر فركبته, وأحسست أن الملعون قد ركبه معي, فما أن أخذت مكاني في غرفة الدرجة الأولى, وسلم عليّ الجابي وسلم عليّ بعض الركاب, وأثنوا على أحاديثي ومواعظي.....حتى وسوس لي الشيطان يقول: أرأيت أن ألسنة الخلق أقلام الحق, وأن ثناءهم عليك يكتب لك ويشهد لك بالصلاح.
فقلت: أعوذ بالله منك أن تخدعني عن نفسي, وأن تجعلني أصدق كلامهم فيّ.
وصعد رجل ما عليه إلا أسمال ممزقة وسخة, لها رائحة تزكم الآناف فضممت عنه ثيابي ليمر, فلم يسعه إلا أن جاء فقعد إلى جنبي, وأحسست بنار الغضب تشتعل في أعصابي, ووثق الشيطان من انتصاره هذه المرة علىّ, فرجعت وقلت لا والله, لا أشمِّت الشيطان بي, وذكرت الله وتوجهت إليه مستعينا به, فأنزل سكينته عليّ, وبدل مقاييس الرجال في عيني, وما أكثر ما تبدل هذه المقاييس.......وقلت لعل هذا بثيابه القذرة ورائحته المنتنة يكون مع الناجين, وأكون أنا لا قدر الله, مع الهالكين, ولعل من حقه هو أن ينفر مني, ويضم ثيابه عني, واستغرقت في هذه الخواطر حتى بلغ (الترام) الغاية.


فهد الطميشاء 16-07-10 01:37 AM

رد: ساعات مع الشيطان
 
تميز + إبداع + تألق = راكان العود ( أبو نواف )

لك جزيل الشكر استاذي الفاضل

وسوف نكون دوماً في إنتظار إبداعك

لك خالص الشكر ووافر الدعوات بالتوفيق والسداد

ذعذاع الشمال 16-07-10 01:50 AM

رد: ساعات مع الشيطان
 
ابو نواف جزاك الله خير الجزاء

راكان 16-07-10 06:34 PM

رد: ساعات مع الشيطان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فهد الطميشاء (المشاركة 160296)
تميز + إبداع + تألق = راكان العود ( أبو نواف )

لك جزيل الشكر استاذي الفاضل

وسوف نكون دوماً في إنتظار إبداعك

لك خالص الشكر ووافر الدعوات بالتوفيق والسداد

الله يبارك فيك فهد غمرتني بلطفك

وجودك هناك علامة مميزة

ابن مزرم 16-07-10 07:07 PM

رد: ساعات مع الشيطان
 
اخوي راكان جزاك الله الف خير على الموضوع الطيب

راكان 17-07-10 10:54 AM

رد: ساعات مع الشيطان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الصقر الجارح (المشاركة 160301)
ابو نواف جزاك الله خير الجزاء


ومايحرمك الاجر

شكراً

راكان 17-07-10 06:54 PM

رد: ساعات مع الشيطان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن مزرم (المشاركة 160428)
اخوي راكان جزاك الله الف خير على الموضوع الطيب

شكرا ابن مزرم

لمرورك اللطيف


الساعة الآن 08:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

لتصفح الموقع بشكل جيد الرجاء استخدام الإصدارات الاخيرة من متصفحات IE, FireFox, Chrome

Security team

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52