مجالس الفرده

مجالس الفرده (http://www.alfredah.net/forum/)
-   مكتبة المجالس (http://www.alfredah.net/forum/alfredah47/)
-   -   من منظور إسلامي (http://www.alfredah.net/forum/threads/alfredah1146/)

عبدالله بن غنام 12-05-07 07:18 AM

من منظور إسلامي
 
من منظور إسلامي


إبتداء من قضية فلسطين :


 وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ً (الإسراء : 35 )

في منظور العرب ـ فيما أعلم ـ تتمحور قضية الكيان اليهودي في أرض فلسطين؛ حول أرض فلسطين قاطبة ، باعتبارها محتلة ومغتصبة بغير وجه حق من قِبَلّ اليهود أو الكيان الإسرائيلي.

وعلى هذا فالهدف ـ من منظور العرب ـ هو إخراج اليهود ـ كل اليهود ـ من كل أرض فلسطين فترجع الأرض عربية كما كانت ، حتى من يحسبون على التيار الإسلامي في داخل فلسطين ـ وثلة من العرب وقليل من غير العرب ـ يتحدثون عن الأرض العربية المغتصبة!.

وهي كانت عربية في فترة من الزمن منذ أن دخلها الفاروق ، وهي وسورية سواء في ذلك ، وقد كانت الأندلس أيضاً عربية ردحاً من الدهر.هذا لا شك فيه، ولكن الأيام دول كما قال تعالى :

 إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ  (آل عمران : 140 )

لكن. . نحن المسلمون. . هل ولائنا للعروبة ؟ هل جهادنا في سبيلها ؟. . هل الكفاح المستميت وبَذّلُ المشقة والكَبَد كان في سبيل هوية العرق أم في سبيل هوية النظام المهيمن ـ المهيمن على كل أرض وكل عرق وكل نظام ـ ؟. . هل كان الكفاح لله ، ومازال ؟. . أم هو للعروبة ولم يزل؟.

 مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ  (الشورى : 20 )

 مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ  (فاطر : 10 )

والحقيقة التاريخية أن اليهود دخلوا أرض فلسطين بعد وعد بريطاني ، وبتمكين بريطاني كذلك. وحين دخلوا بدؤوا بشراء الأراضي من أهل فلسطين بالطرق الشرعية فتملكوا جزءاً من الأرض الفلسطينية بذاك السبب ، ولست أنزه اليهود بهذا عن سلوك طرق أخرى غير مشروعة وظالمة في سبيل بسط النفوذ بتملك الأرض ، أو أسوغ الوجود اليهودي في فلسطين على الإطلاق ، بل إن ما أحاول تقريره هنا أن ثمة جزء ما من تلك الأرض أُمتلك بطريقة شرعية ـ من قِبَلّ اليهود ـ بلا بغي ولا عدوان ، وعليه يجب أن يكون هذا حاضراً في المنظور العام حين نريد الحكم على ( الوجود اليهودي في الأرض الفلسطينية )، ولا أعني النظام المهيمن على الأرض هناك ، بل أعني البشر.

 فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ  (الشورى : 15 )

فإني ـ والحال كذلك ـ أدين الله بأن إخراج اليهود أو السعي في إخراج اليهود ـ كل اليهود بالتعميم ـ من أرض فلسطين بدعوى أن لا حق لهم بها ، هو ظلم لهم وجور ، وحيف عن الحق الصريح ، والحق أحق أن يتبع.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  (المائدة : 8 )

ونحن كمسلمين لا يهمنا أن تكون الأرض عربية أو كردية أو فارسية أو كائن ما كان العرق الذي يستوطنها ، ولكن يهمنا النظام المهيمن فيها ، بل نقطتين اثنتين لا ثالث لهما :

الأولى : أن نسعى جاهدين ليكون النظام الإسلامي هو النظام العام المعترف والمعمول به بين عباد الله ـ بسطاً للعدالة الإلهية على الأرض ـ كائناً ما كان عرق أهل تلك الأرض أو عقيدتهم أو مذهبهم ، وأن يكون بذلك فوق كل ما سواه ومهيمناً عليه ، فتكون كلمة الله هي العليا والدين كله لله.
بلا مضارة لأحد من أهل تلكم الأرض بسبب عرق أو عقيدة أو مذهب.

الثانية : تخص رقعة من أرض فلسطين وهي الحرم الثالث الأقصى ، يهمنا فيه أن يتفق على قدسيته وتحريمه ، وأن تحدد حدوده وتعظم محارمه ، وأن يعبد فيه الله ـ بلا مضارة ـ ولا يعبد فيه مع الله سواه ـ وهذا حق الله ـ وأن لا يمس بسوء ، ولا يتناول إلا بإحسان.


فإذا آمنا أن الحق في تلك النقطتين ـ بغض النظر عن تملك اليهود لجزء من الأرض ـ فما بال القضية تثار من جانب كره اليهود وبيان مساؤهم وعدم إنسانيتهم وأنهم غاصبون للأرض ، ففي حديث الساسة وحديث الشعوب على السواء المحور دائماً هو الحدود والأرض المحتلة وعودة اللاجئين ، والمستوطنات اليهودية ، ووصم اليهود بالدناسة والنجاسة وتشبيههم بالقردة والخنازير.

هل تلكم النعوت وذلك التهزيل أو ذالكم النواح ، هو في سبيل الله ؟ . . أنا لا أرى هذا جهاداً في سبيل الله ، بل لا يقوم على أساس هذه العقيدة جهاد في سبيل الله ، فما هذا إلا انحرافا عن المنهج الإسلامي بالقول والعمل ، وصرفاً للجهود لغير ما كلفنا به.

 وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  (المائدة : 2 )

فالفلسطينيون أو المجاهدين الفلسطينيين ممن هم على تلك العقيدة ذهبوا مجاهدين مغالبين مرابطين ليستردوا حقوق أنفسهم ولم يعبئوا بحقوق الله التي لم يعمل بها في فلسطين ، نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فلم ولن يحفظوا حقوقهم حتى يحفظوا حق الله في الأرض وفي العباد.

كلهم ـ في حدود ما أعلم ومن علمت ـ قاتلوا اليهود لمجرد أنهم يهود وباعتبار أنهم غاصبين ، ولم يقاتلوا لحفظ حقوق الله من أن تنتهك أو تعطل عن التفعيل على الأرض وبين البشر. وإن فعلوا فلم يكن ذلك واضحاً في خطابهم أو رسالتهم إلى الأمة والعالم.

وهم كأولئك اليمنيين المعاصرين ممن يسمون ـ أنصار الحوتي ـ الذين أرسلوا ليهود اليمن رسائل تهديد بالإبادة إن لم يهجروا اليمن ، وأنا سمعت ورأيت على قناة الجزيرة الفضائية واحداً من يهود اليمن الذين نزلوا إلى صنعاء مع عوائلهم بغية الشكوى إلى حاكم اليمن ـ بعد أن عرض صورة منشور التهديد الذي بعث إليه من قِبَلّ تلك الجماعة ـ يقول : " ناشدتهم الله أن أنزلونا على شريعة محمد بن عبد الله للفصل بيننا وبينكم فأبوا " .

 وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ  (المطففين : 6 )

أين يفر هؤلاء من شريعة الحق ؟ أ إلى هوى أنفسهم ؟ وبأي ذنب يضار هؤلاء الذميون ؟ والله لو أجارهم رجل من ضعاف أهل اليمن للزم المسلمين أجارتهم؟ فالمسلمين يسعى بذمتهم أدناهم كما قال رسول الله  ، وهؤلاء قد أجارتهم دولة بأسرها ! ، وهم أهل وطن قبل ذلك !.

 قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  (الأعراف : 29 )

لكن عقيدة أنصار الحوتي هي عقيدة أكثر أنصار فلسطين ـ فيما أعلم ومن علمت ـ ، لمجرد أنهم يهود واليهود أنجاس والأنجاس تذبح في الحل والحرم ، ليس الدين في الحسبان ولا حقوق الله ومحارمه ، إنما هي العقيدة الجاهلية ، وهي كعقيدة عمرو بن الحمق الذي وثب على عثمان بن عفان  ـ يوم مقتله ـ فجلس على صدره ، وبه رمق ، فطعنه تسع طعنات ، وقال: أما ثلاث منهن فللَّه ، وست لما كان في صدري عليه. ( البداية والنهاية ج4 ص 184)

وأقول : ـ بغض النظر عن كل شيء وبحفظ المقامات لأصحابها ـ ما دام لرأيك وهواك في الموضوع مدخل ، فوالله ثم والله ليس لله منها شيء ، لأن الله لا يقبل أن يشرك به ، أو أن يعبد بغير ما شرع ، ولا يقبل من العبد إلا بالخضوع والتسليم والخلوص له من الشرك. وأنت جعلت حقك كحق الله ، ووكلت حفظ حقك ـ الذي تزعم ـ إلى نفسك فضل سعيك وسقط قدرك وضاع حقك وكان مضموناً بضمان حق الله وبتجردك لله ونبذك لكل معبود سواه ، إن كان هوى النفس أو الأرض أو العروبة أو كل ما يعبد من دون الله.

 مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً  (فاطر : 10 )

والذي جعلني أكتب في هذا الموضوع الذي يفترض أن يفهم بداهة ً من طبيعة الدين وسمت المنهج ، هو ما أسمعه من كثير ممن تناولوا هذه القضية على الملاء ـ من كل تيار إلا من رحم ربي ـ فلم تكن قدسية الحرم ـ مثلاً ـ هي محور الحديث أو حفظ محارم الله في أرضه ، حين يتلون المتون والشروح في قضية فلسطين.

فمثلاً بعض بني التوحيد الخُلص حين يتكلم عن المعركة الفاصلة مع اليهود التي بشر بها رسول الهدى  ، ويتطرق لما يخص الوجود اليهودي على أرض فلسطين والموقف منه ؛ يكون حديثه من منطلق أن الوجود اليهودي دخيل متطفل يجب أن يستأصل ويجتث بالمعركة الفاصلة ، ويستبشر بعضهم بانتفاضة رجب كما لو كانت بادرة تلك المعركة ، على حين أنهم يقولون حين يتحدثون عن مصير اليهود بعد المعركة ، أنهم سينقسمون إلى ثلاثة أقسام : فهارب ومأسور وداخل في الملة ، فلم التعميم السابق إذاً في الحديث عن الاستئصال والاجتثاث ، هكذا مطلقاً بلا أعنة ؟. . أليس بنو التوحيد هؤلاء يسعون ويحبون أن يكون اليهود كلهم القسم الأخير فلا يباع أحد ولا يتشرد أحد؟!!. فلماذا يطلق الكلام بلا قيد ولا ضابط ؟ هل يزعم أحد أنه يهدي من أحب ؟ أم يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟.

وأنا هنا لا أنسب الضلال إلى هؤلاء فكلامهم عن الأقسام الثالثة دل على الفهم الصحيح للواجب المطلوب ، لكن ذلك الفهم لم يعمم على كامل التصور الذي تبلور في الكلام الذي سبقه ، وهذا خطاء.

والحق أن يقال ما قاله الشيخ / سلمان بن فهد العودة ـ حفظه الله ـ حيث قال : " قبل أن نحرر الأقصى علينا أن نحرر أنفسنا من الهوى. . من البغي. . من العدوان. . من المعاصي ، ونكون لله سبحانه كما يجب ؛ ليستجيب لنا."

نعم يجب أن نحرر الأقصى ، ويجب أن نحرر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، لكن من نقطة البداية. . من أنفسنا أولاً حتى نكون لله كما يجب أن نكون. . عباداً مخلصين لله ، إن فعلنا فلله ، وإن تركنا لله ، حيث لا معبود لنا سواه ، فلسنا عبيداً للأرض ولا للشجر والحجر ، ولا للعروبة ، ولا لهوى النفس

 وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ  (المؤمنون : 71 )

وليس لنا من الأمر شيء ، فعلام. . وعلى من نبغي ونعتدي؟. . إنما نحن عبيد لله استخلفنا على ما بين أيدينا ، أما الأمر فلله ولم يجعل معه شريكاً سواه ، وما الحكم إلا لله ، ولا يجب أن يزن الناس إلا بميزان الله:

 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ 

في كل شيء حتى في خلجات الشعور واتجاهات الهوى:

 ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً  (النساء : 65 )


  

عبدالله بن غنام 12-05-07 07:24 AM

رد: من منظور إسلامي
 
تعقيباً على مكمن الخطاء :

حين يتعين للناظر مما سبق أن ثمة خطاء في التصور ، أو في فهم التصور ، أو في تطبيق المفاهيم والمُثل ، أو هو خطاء في تقرير عموم الرسالة المحمدية على أرض الواقع وفي ميدان العمل. . حين يعي ذلك يجب أن يعلم متى بداء الانحراف عن الصراط المستقيم ؟. . ولماذا كان الانحراف ؟ ، ومن أين جاء هذا الخطاء ؟.

لقد بداء هذا الانحراف قديماً على شكل جرعات ، حتى تمكن الباطل من تلبس جزء من التصور الحق ـ أو كاد أن يفعل ـ وذلك بعد أن اتخمت المكتبة الإسلامية بالكتب والمؤلفات ، ثم تعرض شيء من تلك الكتب للشرح ، ثم زادوا فتناولوا الشرح بالشروح ، وأطنبوا فجعلوا هوامش للشروح الشروح ـ في العقيدة والشريعة سواء ـ ، حتى أصبح الباحث عن الحق فريسة الملل والسأم في براثن تلك الكتب حين يقع بشيء أشبه بالمناظرات والتمايز بين العلماء عبر التاريخ ، فبَعُد الناس واشتغلوا عن المصدر الأساس بأذيال الشروح تلو الشروح ، على حين أصبح الكتاب والسنة ككتب القانون لا يقرأها إلا أهل الاختصاص ، الذين احتكروا حتى فهمها عن الناس ، وكان ذلك مع القرآن والحديث على السواء ، فمثلاً كتب ما يزيد عن تسعين كتاباً في تفسير وعلوم القرآن الكريم ـ عدا ما كتب عن القراء والمفسرين والتفاسير ـ ، وكان يكفي بل هو أكثر من الكفاية لو وُقِفَ التفسير على ما روي عن عبد الله بن مسعود  وما روي عن ترجمان القرآن : عبد الله بن عباس  ـ بما يعرف بصحيفة أبن عباس ، التي كان عليها اعتماد الإمام البخاري فيما علقه عن ابن عباس في التفسير.
{ وقد قال جلال الدين السيوطي في كتابه ( علوم الإتقان في علوم القرآن ) في معرض كلامه عن معرفة غريب القرآن : " وأولى ما يُرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه ، فإنه ورد عنهم ما يستوعب غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة".
" وما ورد عن ابن عباس من طريق أبي طلحة خاصة ، فإنها من أصح الطرق ، وعليها اعتمد البخاري في صحيحه".أ.هـ
هذا وليُعلم أن الإمام البخاري لم يرو في صحيحة كل الصحيفة ، وإنما روى ما يتعلق بشرح معنى اللفظ الغريب فقط ، وأن ما رواه من شرح اللفظ الغريب ليس كله مما جاء بالصحيفة ، فقد روى كثيراً عن غير ابن عباس. . .
فإن مد الله في أيامي ، أُجَرّد صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسير الطبري. أ.هـ} ( نقلاً عن كتاب : معجم غريب القرآن ، وضعه : محمد فؤاد عبد الباقي ص " ز"ص " ي " نشر دار المعرفة الطبعة الثانية )

وقد ورد في تفسير ابن كثير مانصه :
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى : " كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ، قال الله تعالى :

 إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً  (النساء : 105 )
وقال تعالى :
 وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ  (النحل : 44 )

وقال تعالى :
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ  (النحل : 64 )

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه". يعني السنة.
والسنة أيضا تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن ، والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم؟ " قال : بكتاب الله. قال : " فإن لم تجد؟ " قال : بسنة رسول الله. قال : " فإن لم تجد؟ " قال اجتهد برأيي. قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله ".
وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم. ( تفسير ابن كثير ج1 ص 4)

وهنا يبدو جلياً مدى الشطط في صرف أذهان الناس عن ذات النصوص في الكتاب والسنة ، في ذلك الزخم الكبير من المؤلفات ، ولو كانت من باب إرادة النفع ؛ فرب متحزب للنفع يورث المضرة ، فمن الآثار السلبية لذلك الزخم المركوم الذي أشرنا إليه أنه جعل الكتاب والسنة ككتب القانون لا يقرأها إلا أهل الاختصاص ، وأن أهل الاختصاص احتكروا حتى فهمها عن الناس ، وبهذا أصبح المنهج الإسلامي لا يقرر إلا فكرة في عالم التنظير ـ غالباً ـ لا حظ لها من التطبيق في الواقع ، إلا كعمل خديج غير وثيق الاتصال بالأساس المتين ، ببنيانه على غير الفهم السليم.

ولذا ولخير الناس وتجديداً للدين يجب أن نقتصر على وحي الله الكريم ـ كتابه وسنة نبيه ـ وسنن الصحابة الذين عاصروه وأن نترك كل ما سواه ـ كل ما أمكن تركه ـ وأن نسأل الله هداه.

إن أمور العقيدة لا مناص فيها عن الإلتزام الجاد وتلقيها كما جاءت من المصدر بدون زيادة ولا نقصان والرضى والتسليم بها ، تلك الأركان الستة لا شأن لعلوم الإنسان بها ولا أراء الرجال لإنها تختص بعالم الغيب غير المشهود الذي لا سبيل للإنسان بالإطلاع عليه أو قياسه بشئ من عالم الشهادة فليس له عنه أو فيه إلا ما ذكره خبر السماء إذا فلا يؤخذ إلا من خبر السماء ، ليس للإنسان أن يتصور إلآهه كما يحلو له وليس له أن يجعل الكون لمن شاء من الأرباب أو تقرير وجود الرب من عدمه لأنه لا سبيل له بالقطع بذلك إلا إن أخبره الرب بشئ من ذلك وإن أخبره الله بشئ من ذلك تقتضي طبيعة الحال الوقوف عند كلام الله وأخذه كما هو ونبذ كل ما سواه لأنه من عند رب هذا الكون الذي أعطى كل شئ خلقه والذي يعلم ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

يجب أن نفهم الجملة قبل التفصيل ، ويجب أن نفهم العقيدة قبل أن نغوص في تطبيق الشريعة.
فلابد إذاً من العود إلى الأساس عياذاً من الضلال وإستمساكاً بالعروة الوثقى ، وأخذاً للتوجيه من مصدره الأصيل ، فلا ينحرف الناس عن قال الله قال رسوله إلى قيل وقال بإمعية بليدة.

  


 فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً  (النساء : 59 ) " (عن كتاب خصائص التصور الإسلامي ومقوماته لسيد قطب صفحة 43 )


قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(التوبة : 29 )


  

 هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ  (آل عمران : 138 )

والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.



ربي تقبل مني
َفاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ


كتبه :
عبد الله بن غنّام الفريدي


في العاشر من محرم سنة ثمان وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة
الموافق للتاسع والعشرين من يناير سنة الفين وسبع للميلاد

اللـورد 12-05-07 10:39 PM

رد: من منظور إسلامي
 


فعلاً أفكر كثيراً
لماذا همنا الأول هو طرد اليهود من فلسطين ..!!
رغم أن كل أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام
أخبرتنا أن نزول عيسى عليه السلام يكون بعد حرب المسلمين واليهود
وما ورد من روايات عن حرب المسلمين واليهود آخر الزمان

موضوع يحتاج لجلسة هادئة جداً

ولي عودة مرة أخرى


دمت بود

عبدالله بن غنام 13-05-07 07:07 AM

رد: من منظور إسلامي
 
وجدت موضوعاً كتب بقلم الشيخ سلمان يشرح كثيراً من الأفكار التي وردت في المقال

وينحو ذات المنحى في التفكير وليس الأفكار

نقلته لكم على الرابط التالي:

http://www.alfredah.com/vb/showthrea...=6893#post6893

اتمنى الإطلاع عليه

وأنا بإنتظارك أبا فراس ومرورك يسعدني

متعب بن نومان 13-05-07 11:00 PM

رد: من منظور إسلامي
 
الله يعيطك العافيه ابو عزام


ولاهنت موضوع متكامل ولايسعني الاقطتاف منه بشي لاكن بأذن الله لي عـوده

ابوبندر 15-05-07 09:16 AM

رد: من منظور إسلامي
 
بالمناسبة :
اليوم يحي الفلسطينين الذكر التاسعة والخمسين على النكبة الفلسطينية ومجزرة دير ياسين
1948-2007.
7000000لاجيء فلسطيني

ابوعزام
طرح يستحق المتابعة .


متـــــــــــــــــــــــــــابع

عبدالله بن غنام 21-05-07 09:08 PM

رد: من منظور إسلامي
 
بقايا إنسان شكراً جزيلاً لمجرد المرور

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أبو بندر انا لا أقبل منك بمجرد المتابعة بل يرضيني منك التعقيب على ما طرح

لاهان مرورك وشكراً لك

احمد بن ضيف الله بن حماد 27-07-07 11:41 AM

رد: من منظور إسلامي
 
ابو عزام


ماذا عساني ان اقول اكثر من ما قلت



شكراً لك ايها المبدع بكتاباتك الجميله



وننتظر روائعك القادمه


دمت بود

خلف الفريد 05-08-07 07:01 PM

رد: من منظور إسلامي
 
بسم الله
اخي ابو عزام

اقول بداية ماشاء الله تبارك الرحمن
وعي وثقافة واعتدال وبحث مضن ٍ عن الحق
صراحة جريئة وبسط لمكنون النفس باسلوب منطقي رائع
من الذين لاتأخذهم لومة لائم في ايضاح المنهج
اخي الحبيب
هذا كلام العقل المستند على الحق لكن

لقد اسمعت لو ناديت حيا=ولكن لا حياة لمن تنادي

نحن ياخي الكريم في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وصوت الحق فيه ضعيف او لايكاد يسمع
وانت الحاذق الذي لايفوتك ان الصوت العالي الان هو للمتطرفين من كل الطوئف والاديان
وكلمتهم هي المسموعه لانهم سادات الساحه
وهذا لايمنع من ان النور الذي في آخر النفق يرى!!!
روح تجترحها آلام وآمال
كان الله في عونك!
تقبل حبي واجلالي

عبدالله بن غنام 10-08-07 08:24 AM

رد: من منظور إسلامي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلف الفريد (المشاركة 34499)
بسم الله
اخي ابو عزام

اقول بداية ماشاء الله تبارك الرحمن
وعي وثقافة واعتدال وبحث مضن ٍ عن الحق
صراحة جريئة
وبسط لمكنون النفس باسلوب منطقي رائع
من الذين لاتأخذهم لومة لائم في ايضاح المنهج
اخي الحبيب
هذا كلام العقل المستند على الحق لكن

لقد اسمعت لو ناديت حيا=ولكن لا حياة لمن تنادي

color][/font][/size]


أخي الكريم الجليل ابو عبد العزيز

أشكر لك هذه الإشادة وهذا الثناء الصافي من روح صافية

وأسأل الله أن يشكره لك


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلف الفريد (المشاركة 34499)
[size=5][font=Times New Roman][color=#0000FF] بسم الله
اخي ابو عزام


نحن ياخي الكريم في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وصوت الحق فيه ضعيف او لايكاد يسمع
وانت الحاذق الذي لايفوتك ان الصوت العالي الان هو للمتطرفين من كل الطوئف والاديان
وكلمتهم هي المسموعه لانهم سادات الساحه
وهذا لايمنع من ان النور الذي في آخر النفق يرى!!!

الحق هو سيد الساحة لأن الله هو قيوم السموات والأرض

أما أولئك فالطواغيت التي يجب أن تجتث




اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلف الفريد (المشاركة 34499)
بسم الله
اخي ابو عزام


روح تجترحها آلام وآمال
كان الله في عونك!
تقبل حبي واجلالي

آمين

أحبك الله الذي أحببتنا فيه ورفع قدرك جليلاً في الآخرة كما أنت جليل في الدنيا

أما الأمل فنعم

وأما الألم فلا

صدقني وجربها انت بنفسك

سبحة من السبحات تجلو الألم


الساعة الآن 12:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

لتصفح الموقع بشكل جيد الرجاء استخدام الإصدارات الاخيرة من متصفحات IE, FireFox, Chrome

Security team

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52